عمال بلدنا| المسرح وقضايا العمال.. صوت المهمشين وعدسة الواقع

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لطالما شكل المسرح مرآة للمجتمع، وأداة فنية قوية لرصد هموم الناس وتطلعاتهم، وقد برز دوره بوضوح حينما سلط الضوء على قضايا العمال باعتبارهم الفئة الأكثر معاناة وتحملا لأعباء التحولات الاقتصادية والاجتماعية، فمن خلال عروضه ومضامينه، لم يكتف المسرح بتوثيق معاناة هذه الفئة، بل انحاز إليها، فصار منبرا للتعبير عن كفاحهم اليومي، وصراعهم مع الظلم الطبقي، والحرمان، والاغتراب، والتهميش.

أداة كاشفة وفاعلة في طرح إشكاليات العمال

وقد تنوعت الرؤى الإبداعية للمؤلفين والمخرجين فى معالجاتهم لقضايا العمال، فتارة تم التعبير عنها بلغة رمزية وفلسفية كما فى مسرحية «القرد كثيف الشعر» ليوجين أونيل، وتارة أخرى بالواقعية الصادمة كما فى «ساعة إخلاص» للسيد فرج، أو من خلال الشعر العامى الدافئ كما فى «وبعدين» لفؤاد حجاج، كل ذلك يؤكد أن المسرح عبر مدارسه المختلفة، كان وما يزال أداة كاشفة وفاعلة في طرح إشكاليات العمال، ونقل صراعهم من الهامش إلى قلب النقاش الفنى والاجتماعى.

وفي السطور التالية نستعرض أبرز المسرحيات التى سلطت الضوء على قضايا العمال، وذلك تزامنا مع حلول عيد العمال، الذى يحتفل بيه العالم في الأول من مايو كل عام.

893.jpg
مسرحية القرد كثيف الشعر 

«القرد كثيف الشعر».. صراع الإنسان مع ذاته ومجتمعه

تكشف مسرحية «القرد كثيف الشعر» للكاتب الأمريكى يوجين أونيل، عن المواجهة بين الطبيعة البكر وبين الحضارة الجديدة بكل ما تحمله من تشويه على مستوى الشكل والمضمون، ويدور إطار فكرته الرئيسية حول قضية الانتماء، فهو يناقش حيرة الإنسان بين انتمائه إلى طبقته أو بدائيته أو انتمائه إلى مظاهر القوة فى الحضارة الجديدة. 

المسرحية تدور أحداثها فى عالم مرتبط بالبحر ومفرداته وعالم طبقة البروليتاريا شديدة الحساسية وبين عالم الطبقات الرأسمالية المعقدة، ويؤكد فيه المؤلف فشل الإنسان فى شعوره بالانتماء مع الطبيعة فى ظل الحضارة المادية الجديدة التى شوهت جمالها بمظاهرها الفجة، وقد تناول عدد كبير من المخرجين هذا النص الثرى برؤى مختلفة.

وسنتناول العرض الذى أخرجه الدكتور جمال ياقوت، وسار فيه مع نهج المدرسة التعبيرية التى ينتمى إليها النص، فقد اعتمد كثيرا على لغة الحركة والجسد من خلال تكثيف مشاهد التعبير الحركى مع استبدال بعض المشاهد الحوارية بصور للتعبير الحركى التى ينفذها الممثلون والمؤدون بأجسادهم، حيث تتمثل الحدود الموضوعية هنا فى دراسة فكرة الانتماء الإنسانى، وفكرة الفوارق الطبقية وحقوق الفئات العمالية فى مقابل الرأسمالية والأرستقراطية فى عصر الآلة الحديثة.

«القرد كثيف الشعر» مسرحية تعبيرية كتبها الكاتب المسرحى الأمريكي يوجين أونيل فى ثمانية فصول عام 1922، وقدمت بمسرح بليموث فى برودواى بالعام نفسه، وذهب بها الممثل الأمريكى ذو الأصول الأفريقية بول روبسون إلى لندن عام 1930.

تحتوى مسرحية «القرد كثيف الشعر» على الكثير من الشخصيات، نظرا لكثرة الأحداث، منها شخصيات رئيسية، وثانوية مع وجود أخرى محورية ونمطية، حيث تدور أحداث العمل حول الصراع الطبقى وفكرة الانتماء، التى يفسرها البعض تفسيرا اجتماعيا على أنها الصراع بين طبقة الرأسماليين المسيطرة فى ذلك الوقت، التى تمثلها الفتاة «ميلدرد» ووالدها صاحب مصانع الصلب، بالإضافة إلى طبقة العمال الكادحة، والذى يمثلها بطل المسرحية «يانك»، ومجموعة  الوقادين، وتطرقها للصراع بين القديم الجميل الذى يمثله «بادى» والحاضر المتوحش الذى يمثله «يانك»، وتبدأ مأساة بطل المسرحية، الذى يعمل رئيسا للعمال على الباخرة، فهو شخص قوى البنيان مفتول العضلات، وحينما يلتقي بـ«ميلدرد» يكتشف جنسا آخر من البشر، فيأخذ دوره فى مناهضة ظلم الطبقة الرأسمالية ليصير فى النهاية إلى المصير المحتوم وهو الموت.

فى هذه المسرحية يتجسد صراع الإنسان مع ذاته وماضيه ومحاولته إلى الانتماء، كما نجد مميزات المذهب التعبيرى واضحة فى: البطل واحد، فالحادث الخارجى الذى أثار الصراع داخل نفس البطل هو دخول «ميلدرد» وموقفها من «يانك» تطور الأحداث وتفاعلها فى نفس البطل، وفى رؤيته للعالم وعلاقته بالآخرين، من خلال الصراعات والحالات النفسية فى داخله هو ذاته، نهايته الأليمة، بعد أن تجردت روحه من كل سلاح، وعجزت عن التلاؤم مع المحيط الذى هى فيه.

فإيقاع العرض ساخن ومتدفق ومتحرك، يساعد على ذلك الحركة السريعة المتلاحقة فى فراغ المسرح منذ البداية لتصور حياة الوقادين معا وصراع «يانك» مع «بادى» تارة أخرى، عمل المخرج على إحداث حركة دائبة من خلال تشكيلات جمالية تشكل الصورة البصرية الجمالية للمشهد مع الإضاءة الخافتة والمتغيرة إلى إضاءات خاصة، تضفى حالة من الشبحية وقت تورطهم فى الحزن مع استغلال للتعبير الحركى، الذى شكل عاملا مهما فى التصعيد الدرامى للأمام، وخاصة فى ذلك الصراع المحتدم بين «يانك» و«لونج» و«بادى»، فكان التعبير الحركى معبرا عن هذا العالم الوحشى للوقادين، والذى رصد بالحركة كل تفاصيل حياة الوقادين أحلامهم واحباطاتهم وقوتهم وضعفهم  لينسج بالحركة سيمفونية جميلة.

هذا المشهد يعبر تعبيرا قويا ودقيقا عن عملية الصراع على المستويين الخارجى والداخلى، المستوى الخارجى بين «يانك» وبين الرأسمالية المتوحشة التى طحنته ودمرته ولا تزال تدهس الطبقات العاملة التى هى أساس العمل فى أي مكان، ولا يمكن للآلة أن تكون محلها، لكن المجتمع الرأسمالى لا يرحم.

897.jpg

أما المستوى الداخلى للصراع، فهو ذلك الصراع الذي يدور داخل «يانك»، منفذ ذلك أهانته لـ«ميلدرد» فقد بدأ «يانك" يتنبه إلى نفسه، ويراقب ذاته، ويحاول أن يمتحن صلته بالناس، فحاول فى هذا المشهد الاعتداء على الأرستقراطيين لينتقم لنفسه، ردا على الإهانة التى لحقت به من «ميلدرد»، وبدأ يشعر بعدم ارتباطه بالناس، ويشك بنفسه، وبقدرته الروحية وبثقته بنفسه، بعد أن كان قوى الثقة، واستمر يلاحق ذاته، حتى فقد مقوماته كإنسان، فقد تحطم «يانك» وفقد انتماءه للعالم، وأصبح الحديد ومهنته، الذى كان يعتز به من قبل بأنه صانعه، حتى أصبح ذلك الصلب سجنه وعدوه، وقفصا يهين إنسانيته، ويحفظ جسمه، جسم القرد الكثيف الشعر، فلم يتمكن «يانك» من الارتفاع والسمو والتغلب على الحيوان فى نفسه، ولا على الفوارق الاجتماعية والمادية فى المجتمع.

يقدم «القرد كثيف الشعر» تجربة مسرحية غنية تجمع بين السخرية والفلسفة، وتستعرض الصراع الداخلى للإنسان فى مواجهة هويته المفقودة أو المشوهة من خلال شخصية «القرد»، حيث يرمز المخرج إلى معاناة الفرد الذى يشعر بالعزلة والتشوه نتيجة المعايير الاجتماعية القاسية.

لا تقتصر المسرحية على العرض التقليدى للصراعات النفسية، بل تظهر رمزية عميقة عبر الشخصيات التى تمثل صراعات وجودية، حيث يواجه كل فرد تحديات مرتبطة بهويته ورفض المجتمع له، فالأسلوب الإخراجى يعتمد على اللعب بالإضاءة والحركة لتعزيز هذه الرمزية، بينما يعكس الحوار مزيجا من الواقعية والفلسفة، مع لمسات من السخرية.

«القرد كثيف الشعر» لا يقتصر على معالجة الصراع الداخلى، بل يعكس أيضا قضايا اجتماعية أوسع، مثل التمييز الاجتماعى والهوية المفروضة، فى النهاية، يقدم العمل دعوة للتفكير فى حال الإنسان فى زمن ملىء بالضغوطات والتحديات.

895.jpg

«ساعة إخلاص».. صورة فنية لمعاناة العمال وصراعهم فى مصر ما قبل الثورة

تعد مسرحية «ساعة إخلاص» للكاتب السيد فرج، نتاج مسابقة أعلنت عنها المؤسسة الثقافية العمالية عام 1964 فى تأليف مسرحيات تعالج موضوعات عمالية بروح ثورية اشتراكية، وجاء فى قرار لجنة التحكيم بفوزها بالجائزة الأولى باعتبارها مسرحية تعالج موضوعا عماليا بأسلوب فنى رفيع مستوفية الشروط، هكذا أشار الدكتور يوسف عبد الرحمن إسماعيل المدرس بشعبة الفنون المسرحية فى كلية التربية النوعية بجامعة الزقازيق، فى دراسة تحمل عنوان «المسرح العمالي فى مصر وقضاياه مسرحيتى «وبعدين» لفؤاد حجاج و«التفتيش النهائى» لأبى العلا عمارة نموذجًا.

 وقد اختار المؤلف حى السبتية قلب القاهرة الصناعى - حى العمال - مكانا لها، بكل زحامها وحواريها وأزقتها ودكاكينها وورشها وضجيجها بأصوات دقات وطرقات المطارق، وضربات الفأس ونداء الباعة الحياة تدب فيها مع الدم والدموع والعرق المتصبب، فالمسرحية تصور قطاعا من حى شعبى قبل قيام الثورة، وتبرز المشاكل التي يواجهها سكان هذا القطاع وغالبيتهم من العمال وصغار البائعين والصراع الذي نشب بينهم وبين الطبقة الرأسمالية المستغلة بالعهد الماضى، ويرمز الحى الشعبى فى المسرحية إلى مصر التى كانت تعانى من الظلم والطغيان بعهد ما قبل الثورة.

كما اختار المؤلف فترة ما قبل ثورة 1952 وحتى سنواتها الأولى زمانا لها، حيث أدار أحداث المسرحية ما بين سنتين 1951 و1952 وما بعدها، فهى تصور فترة غليان ما قبل عام 1952، حيث كان الصراع على أشدة بين العمال وأصحاب العمل المستغلين الذين يمتصون دماء العمال التى رمز المؤلف بمصاصة القصب والصراع ينتهى فى المسرحية، كما انتهى الصراع فى الوقع بانتصار الأحرار من أبناء الوطن على قوى الظلم. 

أدار المؤلف أحداث المسرحية فى أماكن عدة، حيث تدور أحداث الفصل الأول فى الأرض الفضاء خلف ورشة «اندريا» للتوصيلات الكهربائية فى مطلع صيف 1951، والفصل الثانى فى قاعة مجلس إدارة شركة المقاولات الكهربائية «ورشة اندريا سابقا» فى صيف 1952، والفصل الثالث داخل ورشة كاملة على المسرح بكل تفصيلها يختلط فيها الشرر والدخان والعرق والآلات مع العمال.

فالمسرحية تصور واقع العمال، وشخصياتها ليست جديدة علينا ومن الشخصيات التى صورها المؤلف وتركت أثرا بالغا مثل شخصية الأسطى حسن البصير، صاحب محل عصير القصب، الذى أحال قطعة أرض مهملة إلى ساحة رياضية يتدرب فيها العمال على المصارعة ورفع الأثقال، ومنها أيضا شخصية الشيخ محمد وهيبة بائع الكشرى الذى يعيش بساق واحدة بعد أن ترك الأخرى فى فلسطين واستعاض عنها بساق صناعية، ورأفت طالب الثانوية الذى جاء ليعمل فى ورشة «اندريا» بعد وفاة والده ليعول أسرته، والخواجة اندريا الذى يحاول أن يظهر طيبا محبا للعمال ولكن حبه للمال واضح، وهو منصاع إلى زوجته تماما، زوجته التي تريد الغنى السريع والشهرة وتستغل عبد الحي باشا الإقطاعي والوزير السابق وعضو مجالس عدة شركات، وولاء التى تعمل ممرضة فى المستشفى، وقد استاءت من أحوال المستشفى وما به من صور الإهمال الفساد، فالمسرحية مزدحمة بالشخصيات والأحداث.

تعرض المسرحية صورة حقيقية محددة الملامح واضحة التفاصيل عن ماهية العامل، وحقيقة مشاكله واستغلاله وما يتعرض له، قبل أن يصبح بعد الثورة هو الدعامة الهامة فى المجتمع، فتعرض لحقوقه وواجباته والمكاسب التى قررتها له القوانين العمالية الثورية والقرارات الاشتراكية، وساعة الخلاص تلك وهى عنوان المسرحية، وهى لحظة قيام ثورة يوليو 1952 والخلاص من الرأسمالية والاستغلال والظلم.

899.jpg
الكاتب فؤاد حجاج

 «وبعدين».. الغربة والترحال فى مسرحية فؤاد حجاج بين الصراع النفسى وقضايا المجتمع

تركز مسرحية «وبعدين» التي كتبها فؤاد حجاج عام 1996، على قضية الغربة والترحال التى يعانى منها العمال، خصوصا عمال الترحيلة الذين يضطرون لترك قراهم للعمل بعيدا عن عائلاتهم وأماكنهم الأصلية، فالنص مستوحى من القصيدة الدرامية «يوميات عبد العال» التى ألفها حجاج عام 1984، ويعرض خلالها الصراع النفسى والاجتماعى لعبد العال، الشخصية الرئيسية فى المسرحية.

تدور أحداث المسرحية فى كفر العدلية، حيث يلتقى «عبد العال» مع زوجته «صابحة» وابنه «حسان»، وتنسج القصص حول شخصيات ثانوية تسهم في إبراز جوانب شخصيته وتعمق معاناته الداخلية، مثل الشيخ شافعى وصابر إسلام وأم الشندي، في المقابل، تنقل الأحداث أيضا إلى مصنع الغزل والنسيج فى المدينة، حيث يتفاعل «عبد العال» مع زملائه فى العمل مثل الليثى وأحمد عبد الستار، ورئيس العمال «حنفى مصيلحى»، وصاحب المصنع حاتم أفندي.

«عبد العال» هو الشخصية المحورية التى تدور حولها كل الأحداث، فيما تسهم الشخصيات الأخرى فى تشكيل عالمه النفسى، مما يعكس صراعه بين الإقدام والتردد والتراجعات التى يواجهها فى سعيه لتحقيق ذاته وسط مجتمع مزدحم بالتحديات.

تعرض «عبد العال» لأزمة حادة عصفت به، وأزمته الخاصة التى مر بها هى حلم الانتقال إلى المدينة، ليس حبا فيها، لكن رغبة فى الارتقاء بمستواه المعيشى، بعد أن ضاق به الرزق فى قريته الصغيرة كفر العدلية، ونزع نفسه من بين أشجارها ومن تحت سمائها المفتوحة ومن هوائها النقى وذهب إلى عالم الماكينات بضجيجها وشحمها واتساخها.

تبدأ أحداث المسرحية بمشهد الساقية الدايرة، الذى يجتمع حولها الفلاحون، حيث نجد «عبد العال» الشخصية المحورية ومن حوله «حامد» و«صابر» صديقيه يتندرون من حياتهم بضحكات، هذا الضحك هو تنفيس عن الهموم اليومية التى بداخلهم وتمر الأحداث ويصل جواب من حنفى مصيلحى نسيب علام الصديق الصدوق لعبد العال يوصيه بإرسال «عبد العال» للعمل بمصانع القاهرة، وهنا تبدأ هموم الغربة عن «عبد العال»، وصراعه الداخلي، صراع الإقدام الإحجام، بين الذهاب للقاهرة لتحسين معيشته أو بقائه فى القرية بجوار زوجته صابحة وولده حسان.

مساء مهدود وينتصر الخيار الأول، ويترك «عبد العال» زوجته وابنه ويغادر القرية إلى القاهرة حيث المصانع والماكينات، ويبتلع طعم الغربة، وتبدأ رحلة الألف ميل بتلك الخطوة التى خطاها «عبد العال» نحو المستقبل الغامض، وفى خضم العمل بالمصنع، يعود إلى حجرته كل يوم الحيل غريبا عما حوله غريبا عن نفسه ناسيا أهله زوجته وولده، وتمر الشهور ولم يكتب لهم جوبا واحدا، حتى تصله رسالة زوجته صابحة محملة بالأشواق محملة بضيق العيش، وتبرر له سبب نزولها للعمل في الغيظ فتقول: كما أن الرسالة محملة بألم الفراق، مطالبة إياه بلم شمل الأسرة واللحاق به فى القاهرة ويتحقق ما أرادت صابحة، ويجمعهم سقف حجرة واحدة ويستقبلهم «عبد العال» بالترحاب والفرح، خاصة رؤية ابنه حسان بعد غربة وطول انتظار.

لقد نجح المؤلف في توظيف وتطويع اللغة الشعرية العامية المصرية لما يريد فى إدارة العمل الأدبى، من تصوير الأبعاد النفسية والمعاناة فى المجتمع الصناعى المعاص، وصور أضرار عامل الهجرة من القرية إلى المدينة، ثم من المدينة إلى خارج البلاد بحثا عن لقمة العيش، وكشف لنا المؤلف معاناة «عبد العال» النفسية عندما ترك قريته وطعن زميليه فى لقمة عيشهما أو أراد عودة مستحيلة إلى قريته وزوجته وولده، كما ربط المؤلف بين الخاص مشكلة «عبد العال» فى العمل وأضرار الهجرة عليه وعلى أسرته بالعام «مشكلة المجتمع المصرى كله وهجرة خيرة فلاحيه وتركهم الأرض بورا مما أثر على إنتاجية الأرض ودخلنا القومى وقيامنا الأصيلة بما لا يقاس بأى دولارات يجلبونها من الخارج»، فالمؤلف من خلال النص استطاع أن يبث قضايا ملحة هى فى الواقع الاجتماعى كل شىء يعبر عن الواقع الحالى الذى نعيشه.

يعالج النص قضية الاغتراب الجسدى والنفسى من خلال مستويات الانتقال من القرية إلى المدينة ثم إلى خارج الوطن الاغتراب داخل النفس وداخل البيت وداخل الوطن، والزمن في النص زمن هلامى غير محدد ينتقل ما بين الأمام والخلف لتجسيد الواقع النفسى داخل الشخصية المحورية وهى شخصية «عبد العال»، واللغة المدارة من خلال فصول هذا النص لغة نثرية خارجة من صلب العامية المتأصلة فى الألفاظ والتعابير الريفية الدافئة، التى حملت فى طياتها رائحة الموروث الشعبى مما دعم هذا العمل بهذه الأصالة.

كما اعتمد المؤلف على المونولوج الداخلى الذى كان كثيرا ما يبرز ما يعتمل داخل شخصية «عبد العال»، كذلك من خلال تكنيك تيار الوعى الذى يحيل اللحظات الزمنية إلى محاور كثيرة تجسد الواقعية، لكن عند مستويات التعبير المراد تجسيده وإبرازه إلى حيز الوجود.

900.jpg
مسرحية النساجون

«النساجون».. مسرحية تحولت إلى مرآة لصراع الطبقات

جاءت مسرحية «النساجون» للكاتب الألماني جيرهارت هاوبتمن، التي كتبت عام 1881، لتشكل نقطة تحول فى تاريخ المسرح الاجتماعى، باعتبارها أول عمل درامى يعبّر بجرأة عن معاناة الطبقة العاملة فى ظل النظام الرأسمالى المتوحش.

تميزت المسرحية ببنائها على مشاهد حية تنقل تفاصيل الصراع بين عمال النسيج وأصحاب المصانع، وهو صراع لم يكن اقتصاديا فحسب، بل وجوديا، يعكس انكسار الإنسان أمام منظومة جائرة، فقد استخدم هاوبتمن أسلوبا واقعيا كشف من خلاله عمق الفجوة الطبقية، دون أن يلجأ إلى الشعارات، بل عبر تصوير الألم الإنسانى فى أبسط مظاهره.

لقد فرضت «النساجون» نفسها ليس فقط كعمل فنى بل كوثيقة احتجاج اجتماعى، وهو ما أثار مخاوف السلطة ودفعها إلى حظر العرض، خوفا من تأثيره التعبوي، ولم يكن هذا التأثير عارضا، بل امتد ليرسخ مكانة هاوبتمن كأحد أبرز ممثلى التيار الواقعى الجديد فى المسرح الأوروبى، ويضعه على طريق التتويج بجائزة نوبل فى الآداب.

 

431.jpeg
عرض القرد كثيف الشعر
432.jpeg
عرض القرد كثيف الشعر
437.jpg

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق